يتعذّر إهمال «الإشارات» الأخيرة بين المملكة العربية السعودية وإيران... صحيح أن لا شيء مستحيلاً في السياسة، وفي مصالح الدول، وفي النتيجة فالدولتان تسعيان، كل من جهتها، الى تحقيق مصالحها وما أمكن من مصالح الدول والأطراف الحليفة أو التابعة لها... ولكن ما طرأ على العلاقات بينهما من سلبيات، خصوصاً في العقد الأخير، لا ينبىء بأن المياه ستعود الى مجاريها بالسهولة التي يتخيلها البعض...
والكلام المتداول بتواتر متواصل في هذه الأيام عن إحتمال تحسن في العلاقات الثنائية بين الرياض وطهران ما كان ليلقى إهتماماً كبيراً لو لم يكن بعضه صادراً من مواقع أميركية وسعودية وخليجية تحديداً.
ما أثار الإهتمام في هذه النقطة ذلك اللقاء السريع (ونكاد نقول الخاطف) الذي سُجل أخيراً بين وزيري خارجية البلدين السعودي عادل جبير والإيراني محمد جواد ظريف، المتفائلون يبنون كثيراً على ذلك اللقاء. الواقعيون لا يرون فيه أكثر من مجرّد لقاء ديبلوماسي سبقته عشرات اللقاءات المماثلة بين ديبلوماسيين من البلدين في مناسبة جمعت الطرفين معاً، ولم يكن بد من لياقة المصافحة «لا أكثر ولا أقل» كما يقول هؤلاء الأخيرون.
على موقع «عاجل» السعودي نشر تقرير لافت بعنوانه ومضمونه فالعنوان يتحدث عن أن لا مستحيل في عالم السياسة. والمضمون يشير لماماً الى أسباب التوتر والتصعيد (الديبلوماسي) بين الجانبين ويتوقف عند مصافحة الوزيرين ظريف وجبير التي تمت بعد عامين تقريباً من قطع العلاقات الديبلوماسية... واللقاء الذي جرى على هامش المؤتمر الإستثنائي الطارىء لمنظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول قد يكون مؤشراً ليس لتحسين العلاقات إنما لإمكانية فتح الباب على تحسينها... هذا إذا أُخِذَ في الإعتبار ما أعلنته وزارة الخارجية الإيرانية حول «قرب تبادل الزيارات الديبلوماسية بين طهران والرياض». ولكن هذا الإعلان وصفه الجبير أمس بأنه يدعو الى السخرية؟
وقد لا يكون لقاء اسطنبول يتيماً. فسماح إيران للحجاج بتأدية الفريضة في مكة المكرّمة قبل أيام هو أيضاً ذو مدلول لافت.
ولكن المسألة المركزية ليست هنا. فالمملكة السعودية تنظر الى العلاقة مع ايران ليس من منظار الكيلومترات المعدودة من مياه الخليج التي تفصل بين البلدين، إنما نظرة بانورامية من منطلق اعتراضها (القوي والمعلن) على ما تسميه الرياض الإنفلاش الإيراني في المنطقة مرفقاً بالتدخل في شؤون العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان. وهذا «التمدد الإيراني» يستثير تحفظاً سعودياً لم ينجح سُعاة الخير الخليجيون، وبالذات سلطنة مسقط وعمان، في إزالته بعد.